طموح العلم بلا سقف، أسئلة العلم بلا خطوط حمراء، تحليقه بلا حواجز أو أسوار، والفضول العلمى بلا حدود، وكما حاول العالمان واطسون وكريك فى ١٩٥٣ اكتشاف سر الحياة فى الـ«دى إن ايه» ليحصلا على جائزة نوبل فى ١٩٦٢، حاولت عالمتان أمريكيتان هما كارول جرايدر واليزابيث بلاكبرن فى ١٩٨٥ اكتشاف سر الموت فى التيلوميراز لتحصلا على جائزة نوبل ٢٠٠٩ واقتسم معهما الجائزة العالم جاك شوستاك، كان السؤال المؤرق لهؤلاء العلماء هو، من يوقف دقات منبه الموت الزاحف؟، وكانت كلمة السر التيلوميراز.
هم يبدعون صح، ونحن نترجم إبداعهم خطأ!، حتى فى الترجمة والتعليق نتعثر ونتلعثم، حتى عندما خرجنا من تراك السباق العلمى، ورضينا بمجرد التصفيق والمشاهدة، صفقنا غلط وظهورنا وأقفيتنا هى التى تواجه التراك لا وجوهنا وأعيننا، ففى تعليق جريدة الأهرام على جائزة نوبل فى الطب وعلى صفحتها الأولى عدد ٦ أكتوبر يقول الخبر عن إنزيم التيلوميراز «إذا استطعنا وقف نشاط هذا الإنزيم يتم حماية الجزء المتبقى من التيلومير وبالتالى يمكن تأخير مراحل ظهور الشيخوخة ، وبالتالى فإن إنجازات هؤلاء العلماء تؤدى من الناحية النظرية إلى إطالة العمر»، انتهى كلام جريدة الأهرام، وبالطبع بعد أن وضع محرر الخبر علامة تعجب خوفاً من أن يكفره القراء لأنه ذكر إطالة العمر ونسبها للتقدم العلمى!، وللأسف ما كتبته الأهرام خطأ علمى فاحش، فالعكس هو الصحيح،
فالتيلوميراز إنزيم بانى للتيلومير كما سنعرف فيما بعد واستمرار نشاطه وليس وقفه هو الذى سيؤدى للحفاظ على التيلومير الذى سيحفظ حياة الخلية وانقسامها وشبابها الدائم، وكل ما يسعى إليه العلماء هو الحفاظ على هذا الإنزيم وليس دفنه كما تتمنى الصحيفة، أما عن إطالة العمر من الناحية النظرية فنحن ننقل خبراً ساراً للجريدة هو أن إطالة العمر قد حدثت من الناحية العملية وليس من الناحية النظرية فقط، وأن متوسط عمر البشر فى الدول الإسكندنافية أصبح يتعدى السبعين بعد أن كان متوسط العمر فى القرن السابع عشر ٢٥ سنة، وكان وقتها يموت ٢٥ طفلاً من بين كل مائة قبل الاحتفال بعيد ميلادهم الأول!، واستقبلت أمريكا القرن الحادى والعشرين باثنين وخمسين ألف شخص تجاوزوا المائة عام!، فلا تعتذر يا محرر الخبر وتخجل وأنت تتحدث عن زيادة متوسط عمر الإنسان فقد أصبح حقيقة واقعة لا تحتمل التكذيب بفضل العلم.
البحث عن أسطورة متوشالح جد سيدنا نوح والذى عاش ٩٦٩ سنة هو أمل علمى وحلم طبى يداعب خيال مراكز الأبحاث ومعامل أمريكا وأوروبا واليابان، وتأجيل الشيخوخة والبحث عن الخلود وخداع الزمن ومراوغة منبه الموت فضول علمى لا يعترف بالمستحيل ولا بأن هناك نهاية لعلامات الاستفهام، فمثلما ذهبت سفن الفضاء للمريخ لمعرفة أسرار الفضاء، ومثلما أجريت تجارب الانفجار الكبير لمعرفة سر بداية الكون،
ومثلما انتهى علماء الوراثة من رسم الخريطة الجينية للبشر من أجل مستقبل بلا أمراض، ومثلما سبروا أغوار الكون ومجراته بالتليسكوبات العملاقة، ومثلما بدأوا فى أبحاث الكمبيوتر البيولوجى ليمنحوا الحاسوب قدرات خارقة أكثر إبداعاً واقتحاماً، فإن العلماء الذين حصلوا على جائزة نوبل فى الطب هذا العام يبحثون عن سر الموت، والشفرة كانت فى كلمتين، التيلومير والتيلوميراز.
الثلاثاء أغسطس 02, 2011 4:37 pm